بقلم د. مبارك أجروض
يعتقد الخبراء أنهم ربما اكتشفوا آليات الدماغ التي تقف وراء الخوف من الظلام الحالك، خصوصا عند الأطفال. وتسلط دراسة جديدة الضوء على كيفية تغير نشاط الدماغ عندما نتعرض للضوء والظلام، وهي الآليات التي تعمل في منطقتين من الدماغ على وجه الخصوص، وفق هذا البحث. الدراسة التي قام بها مجموعة من الخبراء من مراكز بحث وجامعات أميركية، نشرت على موقع Paul’s website المختص في المنشورات العلمية وخلاصات الأبحاث الميدانية.
في الواقع هناك علاقة بين اللوزة الدماغية وطريقة معالجة المشاعر وتنظيم استجابة الخوف لدينا. وهذا ما تبين من خلال مشاركة عدد من الخبراء في الدراسة في علم الأعصاب، وخبراء في الصحة العقلية، بالإضافة إلى جامعيين مختصين في علم النفس، الدراسة أخذت بالتحليل كيفية تغير نشاط الدماغ في هذه المنطقة عندما نتعرض للضوء والظلام، فالبشر يخاف من أشياء كثيرة. وفي حين أن هذا الخوف قد يكون منطقيا في بعض الأحيان، فإنه يكون بلا مبرر وبلا سبب واضح في أحيان أخرى. وحين يكون الخوف المسيطر عليك من شيء ما خوفا غير منطقي ولا يمكن السيطرة عليه، فيطلق عليه في تلك الحالة “الرهاب”، وتتفاوت أعراضه الفعلية من خفيفة إلى حادة.
ومن أشهر أنواع الرهاب الموجودة لدى كثيرين حول العالم هو الرهاب أو الخوف من الظلام. وبينما يرى البعض أن هذا الخوف هو خوف طبيعي نوعا ما؛ لأن الإنسان يعجز بسببه عن رؤية ما حوله وما يهدده، فإن آخرين يرون أنه خوف مرضي، وأن الحالة الحادة من هذا الخوف يطلق عليها نيكتوفوبيا (الخوف من الظلام).
* ما الذي يسبب الخوف من الظلام ؟
يعتقد بعض الخبراء أن الخوف من الظلام هو أمر تطوري، ويعود لآلاف السنين، حيث يقول عالم النفس، سيمون ريغو، إن الناس الذين كانوا يعيشون في الكهوف قديما كانوا يخشون على الأرجح من أن يتم اصطيادهم في الظلام، وكانوا محقين في ذلك.
وبعيدا عن الخوف والقلق اللذين ورثناهما من أسلافنا وتناقلا عبر الأجيال على مر آلاف السنين، هناك كذلك ظروف شخصية يمكنها أن تتسبب أيضا في الخوف من الظلام. فمثلا الأطفال الذين يشاهدون أشخاصا كبارا يخافون من الظلام قد ينمو بداخلهم الخوف نفسه أيضا، كما يمكن للأحداث المؤلمة أن تتسبب في الإصابة برهاب، مثلها مثل العوامل الوراثية.
وهناك سبب آخر يقف وراء خوفنا من الظلام، وهو أننا حين نعجز عن رؤية ما حولنا، فإن باقي حواس الجسم تنتفض، وتجعلنا في حالة تأهب، ولهذا إن سمعنا أو شعرنا بثمة شيء خلال تواجدنا في مكان مظلم دون أن نعلم ما هو هذا الشيء، فالأرجح أننا سوف نعاني من بعض القلق أو الخوف.
* أعراض الخوف من الظلام
تتفاوت أعراض هذا الخوف من شخص لآخر، لكن ما يقال هو أن معظم من يخشون الظلام يميلون لأن يكونوا أكثر قلقا، ذعرا وعصبية حين يجدون أنفسهم بمكان مظلم، وعادة ما تنطوي أعراض الخوف من الظلام على ما يلي:
ـ تعرق راحتي اليدين
ـ الشعور بدوخة
ـ صعوبة التنفس
ـ تسارع معدل ضربات القلب
ـ الشعور بغثيان
ـ المعاناة من الهبات الباردة أو الساخنة
ـ تجنب الخروج ليلا أو التواجد في مكان مظلم
ـ النوم في وجود ضوء للتخفيف من الخوف
ـ الشعور بالعجز، الجنون أو الذعر الشديد
ـ القلق الشديد قبل دخول غرفة أو منطقة مظلمة.
* العلاج السلوكي المعرفي لحالات الخوف من الظلام
يصعب علاج هذا الخوف، ولا توجد أدوية محددة يُوصَى بها، لكن هناك بعض العلاجات النفسية التي يمكن أن تفيد بهذا الخصوص، ومن أبرز هذه العلاجات ذلك الذي يعرف بـ “العلاج السلوكي المعرفي”، الذي يُمَكِّن الناس من السيطرة على مخاوفهم، وتعتمد فكرته على إتاحة الفرصة للمرضى كي يتحدثوا عن مخاوفهم أثناء خضوعهم للجلسات العلاجية؛ ما يتيح لهم الفرصة لفهم مصدرها، وهو ما يسهل عليهم بالتبعية النظر إليها بطريقة أكثر إيجابية، تساعدهم على تقليل التوتر لديهم.
* معالجة الخوف من الظلام بـ thérapie d’éveil
يرى الباحثون أن “علاج اليقظة” من الطرق الأخرى الواعدة والمبشرة التي يمكن الارتكاز عليها لمعالجة هذا النوع من الرهاب، لأنه يسمح للمرضى بالدخول في حالة ذهنية هادئة في أي موقف يتعرضون له. وهناك عدة طرق يعتمد عليها هذا العلاج للمساعدة في الوصول لتلك الحالة الذهنية الهادئة التي تتراوح ما بين أساليب التنفس المتنوعة، التطبيقات التي تساعد على إعادة توجيه الأفكار ورياضة التأمل.
* معالجة الخوف من الظلام بـ Thérapie d’exposition
وهذا العلاج يتبع العلاج السلوكي، ويُستَخدَم في علاج اضطرابات القلق، ويعتمد في تلك الحالة على تعريض المرضى لمخاوفهم من الظلام في بيئة آمنة، خالية من المخاطر وخاضعة للرقابة من أجل مساعدتهم على التخلص من تلك المخاوف تدريجيا.