الحكومة تراهن على الصفقات التفاوضية لإنقاذ المستشفيات.. بين ضرورة السرعة ومخاوف الشفافية

أثار قرار رئيس الحكومة تمكين وزارة الصحة والحماية الاجتماعية من اعتماد المسطرة التفاوضية في إبرام الصفقات العمومية الخاصة بتأهيل 91 مؤسسة صحية نقاشاً واسعاً بين مؤيد يرى فيه إجراءً استثنائياً تفرضه حالة الاستعجال التي يعيشها القطاع الصحي، وبين منتقد يخشى أن يفتح الباب أمام تقليص المنافسة ومخاطر المساس بالشفافية في تدبير المال العام.


تدخل عاجل لإنقاذ بنية صحية متدهورة

مصدر مسؤول من وزارة الصحة أوضح أن اعتماد هذه المسطرة “جاء في سياق وضعية حرجة يعرفها عدد من المستشفيات العمومية التي لم تعد قادرة على تقديم خدماتها في ظروف لائقة”، مؤكداً أن الهدف هو تسريع عمليات التأهيل والإصلاح من أجل ضمان استمرارية المرفق العمومي والاستجابة الفورية للحاجات الاستعجالية للمواطنين.

وأشار إلى أن القرار مؤطر قانونياً بمقتضى المادتين 87 و88 من المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية، واللتين تتيحان اعتماد المسطرة التفاوضية في الحالات الاستثنائية، مؤكداً أن العملية ستتم “بشكل علني وتحت المراقبة المؤسساتية”، مع التقيد بآجال لا تتجاوز عشرة أيام.


إكراهات المساطر الطويلة

ويرى الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أن اللجوء إلى الصفقات التفاوضية “قد يكون خياراً ضرورياً في القطاعات الحساسة مثل الصحة”، لكنه شدّد في المقابل على ضرورة ضبط العملية حتى لا تتحول إلى ذريعة لتجاوز قواعد الشفافية والمنافسة.

وأوضح أن منظومة الصفقات العمومية في المغرب “تعاني بطئاً مزمنًا”، إذ تتأخر المشاريع بسبب التعقيدات الإدارية وتعدد المتدخلين، ما يؤدي إلى بقاء نحو ثلث الميزانيات دون تنفيذ فعلي كل سنة.
وأضاف أن المساطر الحالية “تستنزف ما يقارب نصف السنة المالية قبل انطلاق الأشغال”، وهو ما يضعف فعالية الاستثمار العمومي ويؤثر مباشرة على جودة الخدمات الاجتماعية.


إصلاح النصوص أم تغيير العقليات؟

الفينة يرى أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في مراجعة القوانين، بل في تغيير الذهنيات داخل الإدارة العمومية، مبرزاً أن نجاح أي إصلاح يتوقف على كفاءة ونزاهة المسؤولين المكلفين بتدبير الصفقات.
وحذر من “استمرار ظاهرة منح صفقات ضخمة لشركات تفتقر للخبرة، مقابل إقصاء مؤسسات مؤهلة”، معتبراً أن ذلك “يضعف الثقة ويعرقل جهود الدولة في تحقيق التنمية المتوازنة”.


الشفافية شرط للثقة

ويخلص المتتبعون إلى أن تسريع إنقاذ المستشفيات هدف مشروع وملحّ، لكن نجاحه يبقى رهيناً بالتوازن بين السرعة والنزاهة. فالمسطرة التفاوضية يمكن أن تكون أداة فعالة إذا استُعملت في إطار واضح، خاضع للرقابة والمساءلة، بعيداً عن أي شبهة للمحاباة أو تضارب المصالح.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.