بقلم أحمد حاج علي
المتغير الإيجابي للقوات الروسية يحدث في اتجاه جبهات محاور جمهورية دونيتسك الشعبية، حيث تمكنت تلك القوات من دخول بلدة أوبيتنوي، شمال غرب العاصمة دونيتسك، وتحاول تثبيت مواقع تموضعها في البلدة.
خيرسون هي الأبرز في اتجاهات الجبهات، ومعركتها الكبرى هي المرتقبة؛ فعملية الإجلاء الكامل للمواطنين شارفت على الانتهاء… سيارات مزودة بمكبّرات الصوت تجوب شوارع المدينة، وتطلب من المواطنين الخروج في أسرع وقت ممكن. المشهد شبيه بعملية سباق مع الزمن، إذ لا مفر من أن تشهد الأيام القليلة المقبلة حدثاً ميدانياً كبيراً أو كارثة هائلة مفتعلة تسعى روسيا لتلافيها من دون التراجع أو تسليم المدينة، الأمر الذي يعدُّ كارثة في مسار تطورات الميدان.
في حال تمكُّن القوات الأوكرانية من تفجير سد كاخوفكا، فهذا يعني إزالة مجموعة التشكيلات الروسية من الضفة اليمنى لنهر الدنيبر، وتعزيز تموضع القوات الأوكرانية على الجبهة الجنوبية، فضلاً عن الكارثة التي ستحل بالطبيعة، والتي ترقى إلى مستوى جريمة حرب موصوفة بحق البشرية والبيئة والطبيعة. والخطر قد يصبح مزدوج التأثير في حال انبعاث مواد مشعة أو تسربها من محطة زاباروجيا الكهروذرية بفعل القصف والاستهداف المستمر لمنشآتها بصواريخ “هيمارس” الأميركية. والتلوث الشعاعي سينتقل عبر مياه نهر الدنيبر إلى خيرسون. وفي حال انهيار سد كاخوفكا وتدفق مياهه، سينتشر التلوث الإشعاعي في المنطقة، ويصل إلى شواطئ البحر الأسود ومياهه. ويمكن تخيل كارثة تفوق بحجمها انفجار محطة تشيرنوبل الكهروذرية بمرات. أما احتمال الخطر الإضافي فهو استخدام سلطات كييف قنبلةً إشعاعية قذرة باستخدام حشوة نووية غير مخصبة تماماً. ومع إنها لا تسمح بالوصول إلى درجة الانشطار النووي، فإنها خطرة على مستوى اتساع شعاع التلوث. آنذاك، سيوجه الغرب أصابع الاتهام إلى موسكو بافتعال الكارثة.
وفي سياق متصل، توفرت معلومات أمنية تؤكد أن الصراع الحالي ليس صراعاً بين موسكو وكييف بل هو جزء من اللعبة الدولية، التي أعدّها الأميركيون والبريطانيون لتحقيق أهدافهم الرئيسة.
ونتيجة لهذه اللعبة، ترغب الدولة العميقة في كلتا الدولتين بتدمير ليس فقط روسيا بل وأوروبا، وبتفجيرهم خطَي أنابيب “السيل الشمالي-1” والسيل الشمالي-2″، أراد الأميركيون حرمان “شركائهم” الأوروبيين من الاستفادة من الغاز الطبيعي الروسي الرخيص لسنوات، وربما إلى الأبد، وحرّضوهم على توجيه أصابع الاتهام إلى موسكو. وللسبب نفسه، أنّب الغرب زيلينسكي، مؤخراً، على شبه إعلانه المسؤولية عن تفجير جسر القرم، إذ “كان عليك أن تقول إن الروس هم من قام بهذا العمل يا زيلينسكي!”. لذلك، يحاول الرئيس الأوكراني “تصحيح” أخطائه، بإعلانه أن الروس هم من فخخوا سد كاخوفكا، وأنهم بصدد تفجيره، علماً بأنه من السذاجة بمكان تحميل روسيا مسؤولية هذا التخريب، الذي يصب في مصلحة القوات المسلحة الأوكرانية ميدانياً.
في ظل كل ذلك، يهز أفراد جوقة الدمى الأوروبية رؤوسهم بالموافقة والتأييد، والتأكيد أن الروس هم من فجروا جسر القرم، وهم الذين يخططون لتفجير سد كاخوفكا، وهم من يخطط لاستخدام السلاح النووي أو القنبلة النووية القذرة.
بيد أن ما يحصل ليس بداية لصراع عالمي، بل هو مسار انسياب خطر خطط له الأميركيون منذ سنوات بعيدة. والمعلومات تطفو على السطح شيئاً فشيئاً. المخطط بدأ تنفيذه منذ خريف العام الماضي، ومن محطاته مناورات “الناتو” في القطب الشمالي “بولاريس-2021″، ولا سيما أن المناورات كانت عملية تدريب على قتال روسيا.
يجب القول إن تنفيذ المخطط محتوم وهدفه توريط روسيا في حرب تؤدي إلى تفتيتها أو إضعافها. وحتى لو لم تبدأ هي نفسها بتنفيذ عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا 24.02.2022، فإن روسيا كانت ستجد نفسها مرغمة على الرد على هجوم أوكراني يطال مناطق جمهوريتي الدونباس، التي كانت تسيطر عليها الإدارة الشعبية، وكذلك شبه جزيرة القرم التي كانت تحت تهديد الاجتياح الأوكراني المدعوم من الغرب.
واليوم، لم يعد مهماً من بدأ الحرب. فالمهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا هو تفتيت روسيا أو إضعافها، وكذلك تدمير الاقتصاد الأوروبي، وانتقال الرساميل الصناعية والاقتصادية إلى الولايات المتحدة. ويبدو أن الولايات المتحدة تقبض على الدول الأوروبية الأعضاء في “الناتو” من نقاط ضعفها، وتمنعها من الذود عن مصالحها القومية والوطنية.
وليس مفهوماً كيف أن زعماء تلك الدول ينتهجون سياسة هدامة بحق دولهم وشعوبهم. وهنا، يبدو نظام كييف أكثر قدرة وتأثيراً من بعض الدول الأوروبية الكبرى في حصوله على ما يصب في مصلحته لدرجة تمكنه من ابتزاز دول الاتحاد الأوروبي كافة.
وفي نهاية كل هذه الأحداث، ينتظر الدول الأوروبية مصير محزن. إذ إن وثائق مناورات “بولاريس-2021” تشير بقوة إلى تحضير الولايات المتحدة الأميركية إلى كل ما يحصل حالياً من أحداث. هذه الوثائق تتنبأ كذلك بأن الصين ستكون مرغمة على خوض حرب مع تايوان لمعالجة مشكلتها الجغرافية معها. وقد جرى التحضير لسيناريوهات إدخال روسيا ومن بعدها الصين في حرب لا يمكنهما رفضها. بيد أن الصين تعي هذا المخطط حتى الآن وتحاول عدم الانجرار إليه والتورط فيه. في حين أن روسيا حسمت أمرها وفضلت المواجهة المبكرة على انتظار مواجهة مفروضة يكون ثمنها أكبر. وبشكل أو بآخر، فإن الجواب على سؤال: “متى ستبدأ الحرب العالمية الثالثة؟”، هو أن “الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل”.
وليس من قبيل المصادفة انتشار الفرقة 101 الأميركية المجوقلة المعروفة باسم “الصقور الصارخة” في أوروبا الشرقية. ونشر 4700 جندي أميركي من قواتها تحت عنوان المشاركة في تدريبات عسكرية لم يكن لها نظير، وكذلك إعلان قائد الفرقة استعداده لدخول الأراضي الأوكرانية في حال تزايد التصعيد.
ولم يستبعد الجنرال الأميركي المتقاعد المدير السابق للاستخبارات المركزية الأميركية، ديفيد بيتراوس، خلال مقابلة له مع وكالة “إكسبرس” أن “ترد الولايات المتحدة وحلفاؤها، على تصرفات روسيا بطريقة أو بأخرى”، مشيراً إلى جاهزية واشنطن لقيادة تحالف دولي ضد موسكو، بصورة قوات متعددة الجنسيات، وعدم الحاجة إلى اللجوء لتحريك آليات “الناتو” الدفاعية. (يبدو أن التناقضات الداخلية بين أعضاء حلف الناتو تمنع تشكيل هذا الحلف تحت الراية الناتوية).
من ناحيتها، ليست القوات الروسية في وارد وقف استهدافها للبنى التحتية الأوكرانية، التي تخف حيناً وتعود بشكل مكثف حيناً آخر، كما كان الأمر أمس.
وفي عودة إلى توصيف المشهد الميداني:
في اتجاه زاباروجيا، يستمر التراشق المدفعي من دون تسجيل اختراقات لدفاعات الجانبين أو حصول أي تقدم يذكر.
المتغير الإيجابي للقوات الروسية يحدث في اتجاه جبهات محاور جمهورية دونيتسك الشعبية، حيث تمكنت تلك القوات من دخول بلدة أوبيتنوي، شمال غرب العاصمة دونيتسك، وتحاول تثبيت مواقع تموضعها في البلدة. فالهجوم الروسي في هذا الاتجاه نال من خط الدفاع الأوكراني الثالث من اتجاهين، هما بلدتا بيرفومايسكوي وأوبيتنوي.
وفي اتجاه أرتيوموفسك، أزالت القوات الروسية آخر العوائق الدفاعية الأوكرانية التي كانت أمامها، وأصبحت مسألة إعلان السيطرة على أرتيوموفسك-باخموت وشيكة.
أما في اتجاه سوليدار، فقد بدأت تدريجياً عملية هجوم روسي مضاد، إذ يسجل تفعيل نشاط سلاح الجو والمدفعية على نحو مترافق مع تقدم أولي نسبي يتوقع أن تزيد وتيرته.