في ظل حالة الاختناق التي تعيشها الجزائر داخليا، من خلال حالة الغضب الاجتماعي والسياسي التي تعيشها، وخارجيا بتوريط الشعب الجزائري في سياسات خاسرة يراها المواطن الحزائري، وضرورية لضبط رساميل كابرانات الجزائر في البنوك الداخلية والخارجية من خلال ريع عدة الحروب، فبعد حالة التوتر التي افتعلها نظام الكابرانات ضد المغرب، ها هم الآن يربطون خيط الخنق على الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط بإعلانهم تعليق «معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون» التي أبرمتها الجزائر مع اسبانيا عام 2002.
الأكيد أن الاختناق يتسع ليمتد إلى حدوده القصوى بعد أن أصدرت السلطات الجزائرية أمرا تنفيذيا لمديري المصارف يقضي بمنع عمليات التصدير والاستيراد من وإلى اسبانيا، في تصعيد غايته جعله وسيلة للوي ذراع مدريد لخنقها وتركيعها لتتحول جهة السياسة العدائية الجزائرية ضد المغرب، والذي يعني إفقاد إسبانيا سيادتها الوطنية عن طريق الابتزاز المكشوف والمفضوح.
مدريد ردت على القرار بقوة على لسان وزير خارجيتها، خوسيه مانويل ألباريس، أمس الخميس، حيث قال إن بلاده سترد «بحزم في الدفاع عن مصالح الشركات والمواطنين الاسبان».
موقف صادم لكابرانات الجزائر الذين راهنوا على رخاوة الحاجة الإسبانية، واعتقادهم بأن الحاجة ستبلغ غاية إرغام مدريد على التراجع عن خطها السياسي الداعم للموقف المغربي، ولكنها تناست أن الخضوع للابتزاز الجزائري المكشوف معناه انهيار السيادة الايبيرية، وهو ما لن تقبله مدريد، ومن هنا قوة الرد الصادم الصادر، والذي لا يعني إلا مزيدا من الخنق للجزائر إقليميا ودوليا أمام صلابة الموقفين المغربي والإسباني، وإيمان الطرفين الاستراتيجي أن حوض البحر الأبيض المتوسط يجب أن تكون عنصر بناء وتعايش سلمي وتعاون في كل المجالات خدمة لشعوب المنطقة خارج نقطة لوي وخنق الذات التي تمارسها الجزائر وكابراناتها، والتي لا تعني إلا مزيدا من خنق المواطن الجزائري.
علما أن تعطيل الاتفاقية لن ينعكس على الدولة الجزائرية فقط بل سيطال المواطن الجزائري اعتبارا لكون أن تلك الاتفاقية تتضمن تعاونا في قضايا عديدة ضمنها مسائل الهجرة وتسلم المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون اسبانيا من الجزائر، وقضية الغاز، المصاحب بإعلان الجزائر أنها ستراجع تسعيره لاسبانيا، بما يعني كل ذلك تنصل الجزائر من الاتفاقيات الموقعة، والتي لن تعني إلا خسارتها بحكم الالتزامات المتضمنة داخل اتفاقية الغاز، والنقل الجوي الذي استثنت منه إسبانيا دون باقي الدول الأوروبية، وهو ما سيعني صراعا مع دول الاتحاد المحكومين بقواعد اتفاقيات أوروبية مشتركة، مما يعني أن القرار يصبح ساريا على كافة دول الاتحاد الأوروبي.
الغريب في الأمر أن نظام الكابرانات لم يجد حتى ما يبرر سبب اتخاذ هاته القرارات اتجاه مدريد، ولو أن المحللين يعرفون أن مرجعيتها الأساسية تكمن في تحول مدريد وجهة الموقف المغربي فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، لكنها لم تعلن ذلك صراحة فيما يخص تبرير توقيف العمل باتفاقية التعاون بين البلدين، والأكيد أن هاته الخطوة تخالف بروتوكولات التعامل المعتادة بين الدول، دون أن ننسى تأثير كل ذلك على الجزائريين المرتبطين بعلاقات مع مدريد.
الأكيد المعلوم والمكشوف أن هذا التحول و”الغلاضة” في الرد غير المسؤول من قبل النظام الجزائري هو تعبير انفعالي غاضب على تحول الموقف الإسباني في آذار/مارس الماضي، من قضية الصحراء المغربية، وإعلان مدريد عن دعمها خطة المغرب في منح الحكم الذاتي للمستعمرة الاسبانية السابقة، وهو ما أضعف الموقف الجزائري الداعم لجبهة البوليساريو المصنوعة والمدعومة جزائريا.
وعلى العموم فالرد الجزائري غير المحسوب العواقب كان منتظرا ومتوقعا من قبل كل المتابعين للشؤون المغاربية، مند أن قامت الجزائر بسحب سفيرها من مدريد، وتوعدها حينها بما أسمته «رد قاس» ينتظر إسبانيا نتيجة هذا التحول.
الأكيد أن جو القطيعة قد ابتدأ بالمفهوم الدبلوماسي المؤسس للعلاقات بين الدول، وأن الأمر كان متوقعا أن تستعمل الجزائر سلاحي الغاز والنقل لتركيع مدريد وثنيها عن دعم الموقف المغربي، والعودة لدعم صنيعتها “البوليساريو”، والجزائر في ورطة أمام مدريد من الناحية القانونية والتجارية في جانب قطع الغاز عن الجزائر الذي سيعني لجوء مدريد إلى محاكم التحكيم الدولية، وهو ما يعني أداء الجزائر فاتوراة عالية جدا إن هي اتخدت هذا القرار، كما أنه سيضر بسمعة الجزائر الدولية في مجال التعاقد والالتزامات وسيحملها دفع شرط جزائي ضخم كتعويض لمدريد، وهو ما وعاه الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” حين قال، إن بلاده ستفي بالتزاماتها في مجال الطاقة مع اسبانيا «حبا واحتراما للشعب الاسباني وليس لحكومة بيدرو سانشيز»، حسب قوله، وهو الموقف الذي يجمع عليه جل المتتبعين للشأن الجزائري.
كما أن هاته الحالة من شد الحبل على عنق الجزائر يأتي مكملا للغة الشد التي مارستها الجزائر اتجاه المغرب، وهو ما يعني أن الجزائر ضالعة بقوة في استهداف الوحدة الترابية للمملكة المغربية، وأن الحديث عن الحقوق لا يعني إلا مصالح وأطماع الجزائر الاقتصادية في المنطقة وخيراتها، وأن “الجبهة” مجرد لعبة ودمية في مضمار السياسة الجزائرية التي تحركها كقطعة ضمن رقعة شطرنج مصالحها الاستراتيجية التي بدأت تنهار مع الاختراق المغربي لإفريقيا والعالم، والتنمية الكبرى التي تزعج الجزائر، وتدفعها إلى مزيد من خنق الذات ليس على الحدود مع الجارة، بل وسعته إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الحليف الاستراتيجي لمدريد.