قد يبدو الحديث عن ضرورة أن يتحلى المرء بقدر من “التعاطف مع الذات”، نصيحة ذات طابع مدرسي أو تقليدي بعض الشيء، لكن من الضروري، حتى على المتشائمين والمتشككين في صحة نهج مثل هذا، أن يولوا اهتمامهم به، خاصة إذا كانوا يرغبون في أن يكتسبوا القدرة على المرونة والتكيف والصمود أمام المشكلات والأزمات.
حاول أن تعود بذاكرتك إلى آخر مرة مُنيت فيها بالفشل أو ارتكبت خطأً جسيما. هل لا تزال تشعر بالخجل جراء ذلك حتى الآن، وتواصل توبيخ نفسك لأنك كنت وقتها غبيا أو أنانيا مثلا؟ هل تنزع للشعور بأنك الوحيد الذي يقع في مثل هذه الأخطاء، أم أنك تتقبل فكرة أن ارتكاب زلات، يشكل جزءا من الطبيعة البشرية، وتحاول بناءً على ذلك مناجاة نفسك برفق لمراجعتها بشأن ما جرى؟
على أي حال، يرى الكثيرون أن من الطبيعي أن نقسوا على أنفسنا، ونحن نُقيّم تصرفاتنا. بل إن منّا من يفخر بأنه يتعامل مع نفسه بصرامة، ويعتبر أن ذلك يُشكِّل مؤشرا على سعيه، لأن يصبح على أفضل ما يكون، وعزمه على تحقيق هذا الهدف كذلك. غير أن عددا كبيرا من الأبحاث العلمية، يُظهر أن توجيه المرء انتقادات لنفسه، يأتي بنتائج عكسية بشدة. فمثل هذه الانتقادات، تفضي إلى زيادة مستوى الشعور بالتعاسة والتوتر من جهة، كما قد تدفع المرء للنزوع إلى المماطلة والتسويف بشكل أكبر، وتجعله أقل قدرة على تحقيق أهدافه في المستقبل، من جهة أخرى.
ولذا، فبدلا من أن نمعن في جلد النفس، علينا أن نتعاطف معها، وأن نبدي قدرا أكبر من التسامح إزاء ما ارتكبناه من أخطاء، وأن يعمد كل منّا في الوقت ذاته، إلى الاهتمام بنفسه بشدة خلال الأوقات، التي نمر فيها بإحباطات، أو نشعر خلالها بالإحراج.
وتشير كريستين نيف، أستاذة علم النفس التربوي المساعدة في جامعة تكساس في أوستن، التي اضطلعت بدور رائد في الدراسات الجارية في هذا الشأن، إلى أنه كما أن “لدى معظمنا صديقا جيدا، يقدم له دعما غير مشروط، فإن `التعاطف مع الذات` يمثل ضربا من ضروب تعلم أن تصبح بالنسبة لنفسك؛ صديقا حميما وداعما أيضا”.
لكنك قد لا تحتفي كثيرا بمثل هذه الفكرة، إذا كنت من الساخرين منها والمشككين فيها. ومن بين هؤلاء الممثلة الكوميدية البريطانية روبي واكس، التي تبنت في كتاب ألفته عن “التأمل الواعي”، لهجة ساخرة للحديث عمن يتعاملون بعطف ورفق مع أنفسهم، قائلة إنها كلما تسمع عن هؤلاء، تتبادر إلى ذهنها صورة أولئك الأشخاص “الذين يشعلون شموعا معطرة في حماماتهم، ويغمر كل منهم جسده في مغطس مملوء بالحليب”. ورغم هذه اللهجة الساخرة، فإن الأدلة العلمية تشير إلى أن “التعاطف مع الذات”، يمكن أن يزيد “مرونتنا العاطفية”، وقدرتنا على التكيف مع الأنواء والشدائد. كما أن التحلي بهذا الشعور، يُحسِّن كذلك من وضعنا الصحي، ويعزز شعورنا بالسعادة ويزيد قدراتنا الإنتاجية. كما أنه – وهذا مهم كذلك في حد ذاته – يساعدنا على التعلم من الأخطاء، التي سببت لنا الانزعاج والضيق في المقام الأول.