بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته،
اسمحوا لي بداية أن أرحب بكم وأن أتقدم لكم بجزيل الشكر على حضوركم هذا الحفل الذي تنظمه المندوبية العامة تخليدا للذكرى الخامسة عشرة لتأسيسها.
وإنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نخلد هذه المناسبة، على غير العادة، في مدينة العيون العزيزة على قلب كل مغربي. وإذ نستحضر الرمزية الوحدوية العالية لهذه الربوع من المملكة الشريفة، فإننا نتطلع لأن تكون هذه الذكرى فرصة لنجدد تشبثنا الراسخ بقيمنا الوطنية وتجندنا الدائم وراء صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في مساعيه السامية لتنمية بلادنا وحفظ أمنها ووحدتها الترابية.
إن هذا الموعد السنوي لا يرتبط فقط بالاحتفاء بإحداث المندوبية العامة، وإنما يشكل أيضا محطة متجددة لتكريم موظفي قطاع إدارة السجون وإعادة الإدماج، ومناسبة سنوية للوقوف على ما تحقق من منجزات ومكاسب واستشراف المشاريع المستقبلية المنشودة ورفع التحديات المنتظرة.
حضرات السيدات والسادة،
شكلت السنة الماضية محطة هامة في مسار الإصلاح والتطور الذي انخرطت فيه المندوبية العامة منذ سنوات، حيث حرصت هذه الأخيرة على مواصلة تنزيل ورش أنسنة ظروف الاعتقال من خلال تحديث حظيرة السجون وتعزيز طاقتها الاستيعابية من أجل معالجة معضلة الاكتظاظ وتمكين السجناء من قضاء فترة العقوبة في ظروف تحفظ كرامتهم.
وقد جاء اختيار السجن المحلي الجديد بالعيون مقرا للاحتفال بهذه الذكرى هذه السنة في سياق افتتاحه لتعويض السجن المحلي العيون المعروف بــ “السجن الاكحل” الموروث عن فترة الاستعمار والذي كان محط انتقادات من طرف هيئات وطنية ودولية نظرا لبنيته التحتية المتهالكة وعدم استجابة مرافقه لمتطلبات الأمن والتأهيل لإعادة الإدماج.
ويأتي افتتاح هذه المؤسسة السجنية الجديدة كتتويج لجهود المندوبية العامة الرامية إلى تحديث حظيرة السجون بالأقاليم الجنوبية، حيث سبق وأن عمدت خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى بناء وافتتاح مؤسسات سجنية جديدة بمدن بويزكارن والسمارة وطانطان والداخلة، مع برمجة بناء مؤسسات سجنية جديدة في كل من بوجدور وآسا الزاك وسيدي إفني في إطار مواكبة الخريطة القضائية للمملكة واستجابة لحاجيات هذه الأقاليم.
وبالموازاة مع الجهود المبذولة لتحديث وتعزيز حظيرة السجون، واصلت المندوبية العامة تحسين خدمات التغذية والنظافة والرعاية الصحية والنفسية، إضافة إلى تعزيز المقاربة الحقوقية في الوسط السجني وترسيخ ثقافة مهنية تقوم على أساس معاملة السجناء وفقا لما يقتضيه القانون من ضبط وانضباط، وفي الآن ذاته دون أي تمييز أو تجاوزات.
وقد جاء مشروع تعديل القانون 98-23 المنظم للمؤسسات السجنية، والذي تمت المصادقة عليه مؤخرا في المجلس الحكومي وإحالته على المسطرة التشريعية، ليعزز هذه المقاربة من خلال ملاءمة مقتضيات هذا القانون مع المستجدات الدستورية والقانونية والحقوقية ببلادنا، وإدراج جملة من المعايير الدولية ذات الصلة بحماية حقوق السجناء وصون كرامتهم.
وفي سياق تطوير مجال التأهيل لإعادة الإدماج، عمدت المندوبية العامة إلى إعداد وتنزيل برامج تأهيلية حديثة ترتكز على مبدأ التفريد من أجل إعادة إدماج اجتماعي أفضل للسجناء، وذلك موازاة مع عملها المتواصل لتعزيز الأمن والسلامة بالمؤسسات السجنية وجعل هذه المؤسسات فضاء آمنا لتنزيل مختلف البرامج التأهيلية.
من جانب آخر، واصلت المندوبية العامة تعزيز التفتيش والمراقبة وتوحيد المساطر
إرساء آليات تدبير نجاعة الأداء وتطوير الإدارة الالكترونية وتعزيز دينامية التعاون على الصعيدين الوطني والدولي. كما حرصت على تكريس البعد المحلي في تدبير الشأن السجني وجعل المؤسسات السجنية في قلب المخططات التنموية على المستوى الترابي من خلال خلق شراكات مع إحدى عشر جهة. وتروم هذه الشراكات إدراج المؤسسات السجنية في مخططات التنمية على المستويين المحلي والجهوي بما يتيح تطوير وتعزيز خدماتها وتحسين ظروف نزلائها.
حضرات السيدات والسادة،
مهما كانت حصيلة العمل إيجابية فإنها تبقى غير كافية بالنظر إلى حجم التحديات الحالية والمستقبلية، فلا بد للجهود أن تستمر من أجل تحقيق أهداف وطموحات أكبر ومواصلة ترسيخ النهج القائم على مبادئ حقوق الإنسان في تدبير شؤون السجناء.
ولعلكم تدركون جميعا أن عدد السجناء يشهد تزايدا متسارعا للغاية، مما يطرح عدة إشكاليات للمندوبية العامة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف والطموحات. فبالإضافة إلى إشكالية الاكتظاظ بالسجون وآثارها السلبية على الخدمات المقدمة لنزلائها، فإن هذا الارتفاع له أثر مباشر على ظروف عمل الموظفين حيث يتسبب في زيادة ضغط العمل عليهم ويصعب من مهامهم وتدخلاتهم اليومية، خاصة في ظل تنوع فئات السجناء الوافدين على المؤسسات السجنية وتطور الجريمة، وما يفرضه ذلك من تأطير خاص ومواكبة آنية ويقظة وحس أمني عال، وفي الآن ذاته بعد إنساني وحقوقي على اعتبار أن مهامهم الأمنية والإصلاحية تقتضي استحضار وصون حقوق السجناء الأساسية.
وإذ تؤكد المندوبية العامة على محورية الأدوار التي يضطلع بها موظفو المؤسسات السجنية في الحفاظ على الأمن العام على غرار موظفي القطاعات الأمنية الأخرى، فإنها تسجل هنا وبكل فخر مدى اعتزازها بأطرها وموظفيها. لذلك، فهي لا تتوانى عن دعمهم وتثمين كفاءاتهم وإقرار كافة التدابير التحفيزية الممكنة لفائدتهم.
وفي هذا السياق، واصلت المندوبية العامة تعزيز برامج التكوين الأساسي والمستمر وتوسيع قاعدة الموظفين المستفيدين، وتعميم منح أقدمية اعتبارية لمدة 18 أشهر على باقي الموظفين، حيث بلغ عدد المستفيدين لحد الآن حوالي 11 ألف موظفا، أي بنسبة 86% من مجموع الموظفين المعنيين، بالإضافة إلى الالتزام بتنظيم حركتين انتقاليتين كل سنة (ماي وأكتوبر) مراعاة للظروف الاجتماعية والعائلية للموظفين، ودعم جمعية التكافل الاجتماعي لموظفي المندوبية العامة لتطوير وتنويع وتعميم خدماتها، وكذا مواصلة تقديم خدمات المواكبة والدعم النفسي من طرف الخلية المركزية المعنية، وتوفير الحماية القانونية للموظفين فيما قد يتعرضون له من اعتداءات أو تهديدات أو شكايات كيدية أو متابعات قضائية نتيجة أداء مهامهم.
حضرات السيدات والسادة،
إن المتطلبات الأمنية والإصلاحية وما ينتظره الجميع من موظف السجن يقتضي أن يعمل هذا الأخير في ظروف تسمح له بتلبية المطالب والمسؤوليات المنوطة به، وهو ما تعمل المندوبية العامة جاهدة على توفير أكبر قدر منه بتنزيل الإجراءات التي سبق الإشارة إليها، وكذا من خلال سعيها المتواصل للنهوض بالأوضاع الاجتماعية والمادية لموظفيها وفق مقاربة مندمجة ترتكز على ثلاث مستويات أساسية:
– المستوى الأول: المراجعة الشاملة للنظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة السجون وإعادة الادماج من خلال إعداد مشروع مرسوم وإحالته على السيد رئيس الحكومة يتضمن عدة مقتضيات تروم إقرار مبدأ المماثلة في التعويضات مع باقي القطاعات الأمنية ومراجعة نظام تدبير المسار الإداري، ومقتضيات تنظيمية لإرساء الطابع الأمني وشبه العسكري للقطاع.
– المستوى الثاني: النهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي القطاع من خلال إعداد مشروع قانون يقضي بإحداث مؤسسة للأعمال الاجتماعية خاصة بموظفي إدارة السجون وإعادة الإدماج بما يمكن من تلبية الاحتياجات الاجتماعية والاستثنائية لهذه الفئة من موظفي الدولة وتنظيمها في إطار قانوني يراعي الخصوصية الأمنية للقطاع من جهة، ومن جهة أخرى يمكن المندوبية العامة من التوفر على آليات اجتماعية لتحفيز الموظفين ومواكبتهم اجتماعيا.
– المستوى الثالث: مواصلة الارتقاء بالنظام التحفيزي للموظفين وتعزيز روح الانتماء الوظيفي للقطاع من خلال إقرار العديد من الإجراءات على مستوى الحركية وتوفير النقل الوظيفي والمقاصف والمستودعات والمؤازرة القانونية في القضايا المرتبطة بمزاولة مهامهم والمواكبة النفسية.
حضرات السيدات والسادة،
إن ما تحظى به المندوبية العامة من ثقة واهتمام متزايد من لدن المهتمين بالشأن السجني والتأهيلي، وحجم وحساسية التحديات التي يتوجب عليها رفعها لمواصلة المساهمة البناءة في ترسيخ أسس دولة الحق والقانون، يفرض عليها مضاعفة الجهود وتعزيز التعبئة الجماعية لموظفيها لتكون في مستوى الانتظارات.
لذا، أجدد دعوتي لجميع موظفي المندوبية العامة لبذل المزيد من التضحية والمثابرة خدمة للصالح العام، والإخلاص في أداء مهامهم الإصلاحية مع التحلي بالجدية والحزم في تطبيق القانون والحفاظ على أمن وسلامة المؤسسات السجنية دون المساس بحقوق السجناء، لكن أيضا مع استحضار ضرورة العمل بروح مسؤولية عالية.
حضرات السيدات والسادة،
ختاما نجدد لكم الشكر على تلبيتكم دعوة المندوبية العامة للمشاركة في هذا الاحتفال ونؤكد أن المندوبية العامة ستواصل سعيها الحثيث لتطوير منظومة السجون ورفع التحديات الأمنية والحقوقية والاجتماعية لبلادنا بالتعاون مع كافة الشركاء. كما تجدد التزام وتجند جميع مكوناتها، مسؤولين، أطرا وموظفين لخدمة هذا الوطن تحت شعارهم الخالد “الله- الوطن -الملك”.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير لبلادنا، وأبقى الله مولانا ذخرا وملاذا لهذه الأمة، وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وحفظه في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.