الاسلام هو أكثر الأديان السماوية تأثيرا في حركة التاريخ كما جاء على لسان – مايكل هارت- هذا الاخير كانت له الجرأة العلمية ان يفند أضاليل وترهات المستشرقين ويعترف للإسلام انه تتوفر فيه كل شروط العالمية اكثر من اي دين اخر. راي انه هو الدين الذي يتحدث عن( الله ) كرب للعالمين لا رب قوم بأعينهم، رب المؤمن والفاسق والكافر وليس رب المؤمنين فقط، ويستشهد بالنص القرآني باعتباره وحيا يحمل خطابا موحدا الى العالم كافة ويعترف بالتمايز والاختلاف الموجود بين الشعوب ولا يعمل على الغائه بل يقر به بوصفه نوعا من الاختلاف المنتج الذي يؤدي الى التقدم، وتعزيزا لرايه يمكن الاستشهاد بالآية (يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)- الحجرات-الاية13- وبالآية (ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) سورة هود.
فضلا عن ان الاسلام لا يجاهد من اجل الغاء الاخر بل يجاهد من اجل ترسيخ العدل الالهي في الارض ويحث المؤمنين به على التواصل مع الاخر(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين) الممتحنة ألأية 8 – الى غير ذلك من الاسباب الموضوعية التي تؤكد عالمية الاسلام.
التعايش الديني في مجتمعاتنا العربية والاسلامية كان سليما حيث هناك امة واحدة تضم مسلمين ومسيحيين وحتى يهود على السواء يتعايشون في سلام واخاء ووئام اما المشاكل والصراعات الدينية التي نشأت بين هذه الاديان المختلفة في عدد من الاقطار(لبنان – مصر- السودان) انما هي في الحقيقة مشاكل سياسية تثيرها اصطناعيا قوى خارجية لمصلحتها الخاصة (سلوم سركيس)
وفي سياق المقارنة مع ما عرفته اوربا من حروب وصراعات دينية دموية طويلة وبين ما شهده التاريخ العربي الاسلامي من تعايش بين الاديان لاحظ الاستاذ سلوم سركيس ان ما نراه اليوم هنا وهناك في اوربا واسيا من تفسخ وتقاتل على اساس التشيع الديني لم ينقطع عمليا في التاريخ منذ ثلاثين قرنا وان التقاتل بين الاشياع والمذاهب المسيحية (الكاثوليك – البروتستانت..) في الغرب ادى في العصور القليلة الماضية الى تهادن شبه دائم بسبب قيام الدولة المركزية القوية التي فرضت هيمنها ورهبتها على الجميع والزمت الجميع بقوانين تتجاهل الطوائف ثم شاع فتور الانتماء الديني من جراء العنف الديني الذي خلف ضحايا مؤمنين وغير مؤمنين وبأعداد هائلة، وكذلك ظهور احزاب وتيارات فكرية وفلسفية التي فتحت للفرد ابواب الانتماء الى العقل منه التعصب الديني والطائفي.
لكن رغم هذا التكريس القانوني والمؤسساتي للمساواة والعدل بين الطوائف والاديان الا ان ذلك لا يمنع من التساؤل عن مدى فعالية هذا التكريس في الحياة العملية واليومية. وللأسف لا يمكننا الا ان نعترف بان الوقائع تدفعنا للإجابة سلبا عن هذا التساؤل، فلأسباب تاريخية واقتصادية وثقافية وسياسية ارست المسيحية واليهودية والتيارات الانسانية اللادينية جذورا عميقة في اوربا وطبعت بطابعها الحياة الاجتماعية والثقافية هذا في الوقت الذي بقي فيه الاسلام في اوربا هامشيا او منبوذا وتعود هذه الهامشية او بالأحرى هذا التهميش الى ثقل التاريخ– تاريخ الصراع بين العالمين الاسلامي والمسيحي وخصوصا في فترة الدولة العثمانية(الاب ميشال لولونغ)
وما زاد اكثر من منسوب الكراهية للإسلام والمسلمين كتابات المستشرقين وفلاسفة الغرب الذين اساؤوا للإسلام ولنبي الاسلام وزجوا بالدين في حماة الصراع السياسي لإخفاء اهدافه الانسانية المثلى.
في هذا الباب نزع هيغل عن الاسلام بوصفه حضارة وتاريخا وذلك في كتابه (محاضرات في فلسفة التاريخ) وذكره للإسلام كشيء عارض على هامش تطور الروح المسيحية في الحضارة الجرمانية فعرض الاسلام كشيء هامشي عرضي في فلسفة التاريخ مما يعكس روح التعصب الاوربي تجاه الاسلام بوصفه معتقد الاخر.
الاسلام عند هيغل مرتبط بالمبدأ الشرقي السالب للذاتية وهو ذو هدف سلبي كما ان الاسلام في منظوره قد انحل سريعا مثلما صعد سريعا وبذلك يقدم هيغل مجموعة من الاغاليط المركبة عن الاسلام.
اما الاستشراق الاكاديمي فكانت نظرته للإسلام عدائية ظالمة ضاربة بعروقها في التقليد الاوربي المسيحي القديم وما تزال قائمة الذات ومتغلغلة في عقول الاوربيين كتاب وفلاسفة ومثقفين وسياسيين وعوام حتى انهم اصبحوا يتخبطون في ازمة ضمير وازمة انسانية مستفحلة ويجرون ورائهم فكرة واحدة (لا شيء يضاهي الغرب في قوته ونفوده وفكره وقوانينه ومعتقده)
من كان ينتظر من ماكرون ان يقول صراحة ان الاسلام يعيش اليوم ازمة علما أنه ليس مؤهلا ان يتكلم على الاسلام او عن الدين بقدر ما هو مؤهل ان يتكلم عن الدولة والمجتمع؟ من كان ينتظر ان تتحول السويد من قلعة للتسامح الى محرقة حيث ثقافة التعصب والكراهية تغزو عوالم السياسة والثقافة والمجتمع؟ من كان ينتظر ان ينتفض الغرب كله ضد الحجاب وضد كل الرموز الاسلامية ولا يسمحون في المقابل ان تهان الرموز والمؤسسات الدينية المسيحية واليهودية !! كما ان كثيرا من الوسائل الاعلامية الغربية استخدمت ولا تزال توظف الرموز الدينية الاسلامية كوسيلة للإقصاء والتهميش من اجل تعزيز التعصب ضد الجاليات الاسلامية والعربية خصوصا.
لقد حانت الساعة التي يتوجب فيها على اوربا ان تتفهم ان الاسلام هو احد الثروات الروحية الكبرى للإنسانية، وكما صرح مدير عام اليونيسكو السابق محمد مختار مبو بقوله (يبدو ان مرحلة طويلة من التاريخ قد شارفت على نهايتها. تلك المرحلة التي كانت فيها الاديان والمعتقدات الدينية وتصورات العالم تنطوي على نفسها في سلوك عصبوي وتعصبي قوامه عدم الانفتاح تجاه الاخرين وعدم تفهمهم بعضهم بعضا. فاليوم بدا البشر يعون حدود الاختلاف التي تفصل بينهم ويركزون على المفاهيم المشتركة التي تجمعهم، فاليوم واكثر من اي وقت مضى يبدو ان العالم لن يصير واحدا الا بشرط ان يكون متعددا.. الا عندما تبدا الشعوب تعيش تمايزاتها باعتبارها معطى اساسيا لإنسانيتها …وعلى هذا الصعيد بإمكان الاسلام والمسيحية ان يقدما الدفع الحاسم بحكم القوة الروحية التي يمثلها كل منهما وبحكم القوى البشرية التي يجمعانها).
ان الشرط الاساسي في خلق “تعددية” ثقافية وروحية تعيش في جو من التعايش السلمي والتكامل والاحترام المتبادل يتطلب الاعتراف بالإسلام كدين اممي والاعتراف بالمسلمين في الغرب كما هم وكما يريدون انفسهم في هويتهم وخصوصيتهم الدينية…فعندما يعرف الغربيون مدى اهمية التقاليد العائلية والطقوس الدينية في المجتمعات الاسلامية وعندما يحترمون ويقدرون مدى المكانة في مخيلتهم الدينية لتلاوة القران وصيام رمضان والاحتفال بالعيد يمكنهم ان يؤسسوا ويعززوا واقع التعايش الديني في مجتمعاتهم ودولهم ويشكلوا النمط السلوكي الضروري في علاقات المساواة والاخاء …والا فان شعار الحوار والتعايش الديني لن يكون سوى خرافة.
ذ. محمد بادرة