بقلم د. مبارك أجروض
أصبحت الإحصائيات المثيرة للقلق مألوفة الآن: فـ 2 من كل 3 أشخاص في أمريكا مثلا يعانون من زيادة الوزن، و1 من 3 مصاب بالسمنة. ومنذ أواخر السبعينات، زادت نسبة البالغين الذين يعانون من السمنة المفرطة إلى أكثر من الضعف – من 15% إلى 34% دون معرفة أسباب السمنة المفرطة. إذا استمر هذا التوجه فبقدوم عام 2030 سيصاب نصف الأمريكيين بالسمنة. وإضافة إلى أن تحمل الوزن الثقيل غير مريح – جسديا ونفسيا – فإنه مكلف أيضا، كما انه يزيد من خطر التعرض للمشاكل الصحية المتعددة، بما فيها بعض الأمراض القاتلة مثل أمراض القلب، والسكتة الدماغية وبعض أنواع السرطان.
وفي عام 2001، أصدرت الحكومة الأمريكية دعوة عامة للجراحين إلى العمل على الوقاية من وتقليل السمنة وزيادة الوزن. ولكن بعد أكثر من عقد، أصبحت الرسالة أكثر إلحاحا حيث أن معدلات السمنة (ومصروفات الرعاية الصحية القومية) واصلت التضخم. وبشكل واضح، ليس هنالك طريق سهل للإصلاح والتصحيح. ولكن هنالك بحث عن طرق جديدة لمواجهة المشكلة، حيث أن الباحثين يواصلون البحث في الأسباب التي تقف وراء تفشي السمنة.
وفي هذه الصدد سلطت دراسة بحثية جديدة الضوء على عيب جديد يُحتمل وجوده في “مؤشر كتلة الجسم”، الذي ينظر إليه بوصفه مقياساً للعلاقة بين الوزن والطول، يتحدد باحتسابه مدى تمتّع الفرد بوزن صحي مثالي. ولطالما تعرّض مؤشر كتلة الجسم للانتقاد بوصفه “أداة غير دقيقة” لقياس العلاقة بين الوزن والطول. ويقول منتقدو هذا النظام إنه قد يمنع إمكانية الكشف المبكر عن خطر تعرّض الأفراد من أعراق معينة للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. ولا يزال العديد من المؤسسات والشركات يعتمد على مؤشر كتلة الجسم في تقديم خدمات مثل التأمين أو الإجراءات الطبية.
وفي هذا السياق أيضا، شدّدت الدكتورة ليزلي هاينبيرج، خبيرة علم النفس وطبيبة الأمراض النفسية وإدارة الوزن في المستشفى الأمريكي كليفلاند كلينك، على أهمية أن يعرف كل من الأطباء والمرضى القيم الفاصلة في مؤشر كتلة الجسم، والتي تختلف باختلاف العِرق، وأكدت على أن باحثين في بريطانيا وجدوا أن قيمة مؤشر كتلة الجسم المرتبطة بارتفاع خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني تختلف بالاختلاف العِرقي بين الأفراد، موضحة أن قيمة مؤشر كتلة الجسم البالغة 30 أو أعلى، مثلاً، تدلّ على زيادة مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني لدى البيض، أما في السود فالقيمة تبلغ 28 أو أعلى، في حين أنها 23.9 أو أعلى لدى شعوب جنوب آسيا، و26 أو أعلى لدى شعوب منطقة الشرق الأوسط.
وأضافت الخبيرة في إدارة الوزن أن المشكلة في اتباع قيَم معيارية ثابتة لجميع الشعوب والأعراق عند استخدام مؤشر كتلة الجسم، تكمن في التوصيات والخيارات العلاجية، التي يطرحها بعض مقدمي الرعاية الصحية على المرضى لإحداث تغييرات حياتية مرتبطة بمرض السكري، وذلك استناداً على مستوى الخطر الخاصّ بالأفراد من العرق الأبيض، ما يعني أن الأفراد المنتمين إلى الأعراق الأخرى قد لا يتلقّون التدخل الطبي الصحيح في الوقت المناسب. وأوضحت الدكتورة هاينبيرج سبب الاستمرار في استخدام مؤشر كتلة الجسم مرجعاً للخطط العلاجية، مُسدية أبناء الأعراق الأخرى نصائح بشأن الحرص على اتباع المسار السليم بالرغم من التناقضات.
* افتقار مؤشر كتلة الجسم إلى الدقة
لقد اعتبرت طبيبة الأمراض النفسية وإدارة الوزن في كليفلاند كلينك أن مؤشر كتلة الجسم قد يفتقر إلى الدقة عند استخدامه في قياس صحة الفرد، نظراً لأنه يترك الكثير من الصفات الجسدية خارج المعادلة، موضحة أنه لا يأخذ في الاعتبار الكثير من الأشياء المتعلقة بالفرد. وأضافت: “يمكن أن تغدو المسألة تقييماً سهلاً للفرد إن حصلنا على طوله ووزنه مقارنة بالتقييم الشامل.
* وجود دلائل جسدية أخرى يجب الانتباه إليها
وبينما يُعدّ مؤشر كتلة الجسم إحدى طرق قياس المخاطر، هناك إشارة إلى وجود دلائل جسدية أخرى يجب الانتباه إليها، مثل محيط الخصر، ونسبة محيط الخصر إلى الورك، وأماكن توزّع الوزن الزائد في الجسم، معتبرة أن هذه الدلائل قد تلعب دورا أهمّ عندما يتعلق الأمر بعلاج أمراض التمثيل الغذائي.
وإذا أخذنا في الاعتبار شكل الجسم الشبيه بالتفاحة أو الكمثرى، فإننا نعرف أن الوزن الزائد في البطن بالجسم الشبيه بالتفاحة مرتبط بارتفاع مخاطر القلب والأوعية الدموية وأمراض التمثيل الغذائي. كذلك، فإنه عند النظر إلى حالات مرضية أخرى كانقطاع النفس الانسدادي النومي، نجد أن محيط العنق مهم، وكل هذا يتجاوز مؤشر كتلة الجسم”.
* هدف الدراسة توضيح ضرورة عدم اللجوء إلى مؤشر كتلة الجسم
ومن المؤكد أن مؤشر كتلة الجسم يترك مجموعة كبيرة من الأفراد خارج المعادلة، نظراً لأنه نشأ من القياسات الجسدية للرجال الأوروبيين البيض، موصية كل فرد بالحصول على الصورة الكاملة لصحته. ومن المفيد في هذه الدراسة، بحسب الخبيرة الطبية، أنها تساعد في “وحده” لتحديد ما إذا كان الشخص يتمتع بصحة جيدة أم لا أو أنه نحيف أم سمين، مؤكدة أنه ينبغي اعتبار المؤشر “إحدى العلامات الحيوية للجسم”.
وفي حال ما إذا رأى مقدم الرعاية الصحية شخصا لديه مؤشر كتلة جسم مرتفع، ولا سيما إذا كان من مجموعة سكانية معرّضة بشكل أكبر للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، فعليه إجراء بعض الفحوص المخبرية وتقييمات إضافية، ومناقشة أية عوامل يمكن أن تُبعد المريض عن مرحلة ما قبل السكري أو نطاق مرض السكري الكامل، وقد تشمل هذه الإجراءات عادات النوم وإدارة الإجهاد والتغييرات الغذائية وزيادة النشاط البدني”. وعلى المرضى القيام بعرض التاريخ العائلي للسكري أو ارتفاع ضغط الدم أو أية مخاطر صحية أخرى على أطبائهم، فكلما زادت المعلومات المتوفرة، أصبح مقدمو الرعاية الصحية أكثر استعداداً لمراقبة صحة الفرد ومساعدته في إدارة أية حالات مرضية قد تصيبه.
* ليس على الفرد أن يفقد قدراً كبيرا من الوزن لتحسين صحته
إن الرسالة المهمة، التي ينبغي إيصالها للأفراد، تفيد بأنه ليس عليهم أن يفقدوا قدراً كبيرا من الوزن لتحسين صحتهم. فهناك رسالة مؤسفة مفادها أن الجميع يجب أن يقعوا داخل هذه الفسحة الضيقة من مؤشر كتلة الجسم، بالرغم من أن فقدان قدر قليل من الوزن، يتراوح بين 2.5 و4.5 كجم كفيل بإحداث تحسينات ملموسة ترتبط بتقليل مخاطر التمثيل الغذائي ومخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.