بدأت في السنوات العشر الأخيرة، بزوغ ظاهرة لم يشهدها المغرب من قبل، وهي إشكالية تعاطي المخدرات في الوسط الأنثوي، فقد انتشرت هذه الافة بشكل مرعب، ولعل ما تقدمه السلطات الأمنية من دلائل رقمية أكبر دليل ينم عن انجراف الفتاة في هذا العالم الخطير. لكن الملاحظ في المجتمع المغربي ليس فقط إقبال الجنس اللطيف على تعاطي المخدرات، بل تعاطيهن لتجارتها، فما هي الأسباب وراء هذا التحول في المجتمع؟ وكيف وصلت هذه المواد السامة إلى المرأة المغربية ؟ او البيئات المدرسية؟ وما هي أنواع المخدرات التي تتعاطاها الفتيات مقارنة بالذكور؟ وما هي الآثار المترتبة على إدمان الفتاة على المخدرات سواء عليها كفرد أو على المجتمع .
من خلال هذا التحقيق سنحاول الغوص في هذه الظاهرة الجديدة على المجتمع المغربي، وعن الأسباب وراء ظهورها ، وكيف يمكن الحد منها على المدى المتوسط والبعيد من اجل حماية المجتمع من تداعياتها المدمرة .
– النساء والادمان
من المعلوم ان المرأة في المجتمع المغربي كانت قبل عقود، بعيدة كل البعد ان ولوج عالم الادمان على المخدرات، غير ان التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية، جعلت الظاهرة تتنامى بشكل مخيف.
كانت النساء المغربيات، يتمتعن بالوقار في وسط اسري ومجتمع محافظ ومتماسك، لكن تحولات عرفها المجتمع المغربي كباقي البلدان العربية، جعل المرأة تخرج من الأسرة الحاضنة التي كان الأب او الأخ والزوج، مكلف بمتطلبات الحياة، بينما النساء يتكلفن بتكوين الأسرة، وهو ما ساهم في بقاء الأسرة المغربية متماسكة بحسب ادوار كل فرد منها، لكن التحولات الاقتصادية وخروج المرأة للعمل وتراجع دور الرجل ، جعل تراجع الكفة في الميزان الأسري، وبدأت الشقوق تتخلل خلية الأسرة شيئا فشيء، ليرتفع الطلاق والذي كان يشكل عيبا لدى الأسر المغربية في العقود الماضية، وبعدها بدأت مشاكل اخرى تطفوا ليجد الأطفال نفسهم في مواجهة مشاكل الكبار، ويبدأ الانحراف بشتى أنواعه.
شكل اول فوج بدأ في الادمان على المخدرات النساء المطلقات اللواتي تعرضن للعنف الأسري وكذلك العنف المجتمعي،من خلال تناولهن لأقراص صيدلية بناءا على وصفات طبية من اجل علاج ” الضغط اليومي ” وبعدها يتم الانتقال إلى المخدرات خارج النطاق الصيدلي او الوصفات الطبية .
بعد هذه الفئة، جاء دور الأبناء ضحايا الانفصال و التفكك الأسري، ولعب فترة المراهقة وانعدام المراقبة لهذه القئة في انخراطها التدريجي في تناول المخدرات، كانت الفتيات قبل ثلاث عقود يتناولنا السجائر، قبل ان يتحولن لتناول المخدرات ” الحشيش” ، بعد ظهور ” الشيشا” التي شكلت اكثر انتشارا في صفوف الفتيات، كانت البدايات داخل المنازل ، قبل ان تتحول إلى الفنادق وبعدها المقاهي التي أصبحت تقدم هذه المادة للفتيات.
خلال العشر سنوات الأخيرة، انخرطت النساء في تناول المشروبات الكحولية وبعدها الأقراص الصلبة ” القرقوبي” ليتحولن إلى مدمنات لمادة ” الهيروين “.
بمدن شمال المملكة، حيث ظهر الحشيش وبعده المخدرات الصلبة، قدمت جمعية ” حسنونة لمساندة متعاطي المخدرات بطنجة “، عن الإشارة إلى ادمان الفتيات على تعاطي المخدرات الصلبة ، اما عن الشم او عن طريق الحقن.
وطالبت الجمعية نفسها، بعدم اعتماد المقاربة الأمنية في التعاطي مع هذه الآفة، وذلك بمراجعة وتعديل الظهير بمثابة قانون 21 ماي 1984، إذ أن تواجد 18 مركزا لطب الإدمان التي أحدثت بتعليمات ملكية سامية في إطار البرنامج الوطني الذي تنجزه مؤسسة محمد الخامس للتضامن بشراكة مع وزارتي الصحة والداخلية، والتي يمكنها تحقيق العدالة الطبية المنشودة للمدمنين على استهلاك المخدرات، بدل الإجراءات الزجرية غير المجدية لتجاوز هذا الواقع، لأن المكان الطبيعي لمتعاطي المخدرات هو مراكز العلاج والمستشفيات، وليس السجن، كما أن اعتقال المتعاطين دون الأخذ بعين الاعتبار البعد الوقائي والعلاجي، يمكن أن تكون له نتائج عكسية مع كل ما يرافق ذلك من تكلفة اجتماعية واقتصادية وصحية كبيرة، فضلا عن أن حبس المدمن على المخدرات، خاصة متعاطي “الهيروين” يخلف له آلاما حادة على المستوى الجسدي والنفسي قد ترقى إلى مستوى التعذيب حسب الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.
– الفتيات يبعن اجسادهن من اجل توفير مال المخدرات
هناك مجموعة من التقارير الصحفية، من خلال تحقيقات انجزت، تكشف ان اغلب الفتيات المدمنات يمارسن الدعارة من اجل توفير ثمن شراء المخدرات، اغلب هذه الفئة المومسات .
بينما هناك فئة قليلة تشتغل وتوفر ثمن المخدرات، رغم ان هذا الوضع انعكس سلبا على قدرتهم المالية، بسبب غلاء فاتورة المعيشة اليومية .
– النساء من مدمنات للمخدرات إلى ناقلات وتاجرات لها
بحسب تقارير أمنية او ما ينشر بوسائل إعلام وطنية ، ان النساء قد انخرطن بشكل كبير إلى جانب الرجال في ترويج المخدرات.
خلال شهر ماي لوحده، تم ضبط ثلاث نساء ” إثنثان ضواحي مراكش” والمرأة خمسينية بالدار البيضاء، ينقلن المخدرات على متن حافلات لنقل المسافرين، دون الحديث عن العشرات من الفتيات ناقلات ل ” القرقوبي ” بين المدن على متن سياراتهن الشخصية او ” المكتراة “، ولعل الاحصائيات تشير إلى تنامي هذه الظاهرة بعدما كانت حكرا على الرجال دون غيرهم.
– تقارير رسمية تؤكد ارتفاع الادمان في صفوف النساء
كشف تقرير للهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في دورتها 116 بالرباط، أن ثلث متعاطي المخدرات في العالم من النساء.
وأشار التقرير، إلى أن النساء لا يمثلن في المقابل سوى خمس الأشخاص الذين يخضعون للعلاج من الإدمان. وذلك لكون النساء الراغبات في العلاج يواجهن عراقيل مهمة ومنهجية ذات طابع هيكلي ومجتمعي وثقافي وشخصي.
و أضاف التقرير أن النساء يبدأن في تعاطي المخدرات في سن أبكر مقارنة مع الرجال، وعزا التقرير ذلك إلى “تعاطي الشريك أيضا للمخدرات”.
وأشار إلى أن معدل تعاطي المرأة للقنب والمؤثرات الإفيونية والكوكايين، بعد بدئها في تعاطي المخدرات يتزايد بسرعة أكبر مقارنة مع الرجل.و أثناء تعاطي النساء للمخدرات يصبن باضطراب تعاطي مواد الإدمان في وقت أقصر مقارنة مع الرجل.
واستطرد التقرير أن النساء اللاتي يتعاطين الهروين أصغر سنا من نظرائهن الرجال.
وأفاد التقرير ذاته، أن نسبة تعاطي المخدرات لدى النساء في البلدان المرتفعة الدخل أعلى مقارنة مع البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، مضيفا أن الفارق بين الإناث والذكور أضيق لدى فئة الشباب مقارنة بالبالغين فيما يتعلق بتعاطي جميع أنواع المخدرات.
و أوضح أن النساء يمثلن نسبة كبيرة من الأشخاص الذين يسيؤون استعمال عقاقير الوصفات الطبية، مشيرا إلى أن الدراسات بينت أن “احتمال استعمال النساء لعقاقير الوصفات الطبية، مثل المسكنات المخدرة والمهدئات لأغراض غير طبية أكبر مقارنة مع الرجال”.
وأضاف أن المرأة أشد عرضة للاكتئاب والقلق والصدمات النفسية والإيذاء من الرجل.
واستطرد ان النساء يتعاطين المخدرات لمواجهة ضغوط الحياة، موضحا أن “هناك أدلة على أن احتمال اصدار وصفات طبية للنساء بعقاقير مخدرة وأدوية مضادة للقلق أكبر بكثير من الرجال”.
– تقرير رسمي 800 من النساء يواجهن افة الادمان
كشف تقرير اعده المجلس الاجتماعي والاقتصادي ان حوالي 800 ألف من النساء يعانين من الادمان بالمغرب
وأشار المجلس في هذا الرأي أن العالم يشهد تنامياً للسلوكات الإدمانية، سواء تلك المرتبطة باستخدام مختلف المواد ذات التأثير العقلي والنفسي (التبغ، السكر، الكحول، المخدرات، وغيرها)، أو بممارسة أنشطة تنطوي على خطر إدماني كبير (ألعاب الرهان، ألعاب الفيديو، الأنترنت وغير ذلك).
وليست بلادُنا استثناءً عن هذه الوضعية، حيث تكشف دراسة مختلف مظاهر الإدمان أنها ظاهرة متفشية ومتعددة الأشكال. وفي هذا الصدد، تؤكد أحدث المؤشرات والمعطيات المتوفرة هذه الوضعية المثيرة للقلق:
يُقَدَّرُ حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي بـ 4.1 في المائة من عدد المستجوبين في إحدى الدراسات، ويناهز الاستهلاك المفرط للمخدرات والإدمان عليها 3 في المائة، كما يقدر الإفراط في استهلاك الكحول بـ 2 في المائة والإدمان عليها بـ 1.4 في المائة؛
يُقَدَّرُ عدد الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحُقَن بـ 18.500 شخص؛ مع تسجيل معدل انتشار مرتفع في صفوف الأشخاص المصابين بالالتهاب الكبدي «C» (57 في المائة) وكذا بداء فقدان المناعة المُكتسَبة (11.4 في المائة)؛
يوجد في المغرب زهاء 6 ملايين من المدخنين، منهم نصف مليون من القاصرين دون سن 18 سنة؛
يمارس ما بين 2.8 إلى 3.3 مليون شخص ألعاب الرهان، علماً أن 40 في المائة منهم معرضون لخطر الإدمان على اللعب؛
تنامي الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والأنترنت في بلادنا، وخاصة في صفوف المراهقين والشباب.
وتنجم عن كل هذه السلوكات الإدمانية انعكاسات خطيرة على الأشخاص المعنيين بها في سلامتهم النفسية وصحتهم الجسدية. كما أنها تشكل في الوقت نفسه، بالنظر لتكاليفها الباهظة وانعكاساتها التي قد تكون وخيمة جدا، معضلة حقيقية تلقي بظلالها على توازن العلاقات بين الأفراد وأسرهم وعلى دخلهم ومواردهم المادية، وعلى الوضعية الصحية والنفسية للمجتمع ككل، وبالتالي تكون لها تداعيات سلبية على إمكانات وديناميات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا.
وعلى الرغم من وضع القطاع الحكومي المكلف بالصحة لاستراتيجية وطنية لمكافحة الإدمان، تهم الفترة ما بين 2018 و2022، فإن السلوكات الإدمانية لا تحظى لحد الآن بالقدر الكافي من الاعتراف والتكفل بها من قبل هيئات الحماية الاجتماعية والتعامل معها بوصفها أمراضاً رغم إدراجها في قائمة منظمة الصحة العالمية. وعلاوة على ذلك، فإن السياسات العمومية في هذا المجال تظل غير كافية، في ظل هيمنة المقاربة الزجرية المرتكزة في محاربة الإدمان على إطار تشريعي متقادم ولا يوفر الحماية.
وبناءً على هذا التشخيص، يقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات، نذكر منها:
الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد مخدرة أو ممارسة إدمانية، بوصفه مرضا يتطلب علاجا قابلا من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية؛
مراجعة الإطار القانوني المنظم للتغطية الصحية وتحيينه، بما يُمَكِّن من توضيح طبيعة اضطرابات الإدمان والتحديد الدقيق لتصنيفاتها المعتبرة أمراضاً تتطلب علاجات؛
مراجعة القانون الجنائي، بما يسمح من جهةٍ بالتطبيق الممنهج للمقتضيات القانونية التي تمنح متعاطي المخدرات الحق في الخضوع للعلاج، ومن جهة أخرى، العمل على تشديد العقوبات ضد شبكات الاتجار في المخدرات والمواد غير المشروعة؛
توجيه نسبة ثابتة من مداخيل الدولة (10 في المائة) التي يتم استخلاصها من الأنشطة المشروعة التي قد تسبب الإدمان (التبغ، الكحول، رهانات سباق الخيول، اليناصيب، الرهانات الرياضية) نحو العلاج والبحث والوقاية. والجدير بالذكر أن هذه المواد والخدمات تحقق رقم معاملات يبلغ أزيد من 32 مليار درهم، أي ما يمثل نحو 9 في المائة من المداخيل الجبائية للدولة و3 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي؛
الاعتراف القانوني باختصاص علم الإدمان وبالشهادة الجامعية الممنوحة في هذا المجال واعتماد الأنظمة الأساسية للمهن المرتبطة بهذا الاختصاص (المعالجون النفسيون، والمعالجون المهنيون، وغيرهم)، وذلك بما يُمَكِّن من تعزيز الموارد البشرية العاملة في هذا الميدان؛
تعزيز موارد المرصد المغربي للمخدرات والإدمان والعمل على التتبع والنشر المنتظم للمعطيات المتعلقة بانتشار الإدمان على المواد ذات التأثير العقلي والنفسي والإدمان على أنشطة معينة وأشكاله وآثاره وطرق التكفل به؛
إطلاق مخطط وطني للوقاية من الإدمان ومكافحته في الوسط المهني؛
إحداث هيئة وطنية للتقنين التقني والأخلاقيات ومراقبة أنشطة المؤسسات والشركات العاملة في مجال ألعاب الرهان، وذلك من أجل الوقاية من السلوكات الإدمانية والتصدي لها؛
تعميم الولوج إلى العلاجات البديلة للمواد «الأفيونية» على مستوى جميع المؤسسات السجنية وضمان إمكانية الولوج إلى العلاجات لفائدة أي شخص مدمن يبدي رغبة في ذلك.