من المؤكد أنه ليس من باب الصدفة أن تعج وسائل الإعلام بالأخبار السارة خلال الأسابيع الأخيرة بشأن العلاقات الثنائية، لكونها وصلت إلى درجة من النضج جعلت البلدين يقرران التحرك بسرعة و على جميع مستويات العلاقات الثنائية.
وقد اغتنمت العديد من المؤسسات المغربية والبرازيلية في مختلف المجالات (الفلاحة، البحث الزراعي، الحكومة الإلكترونية، الطاقة الشمسية، الهيدروجين الأخضر، إلخ) الفرصة لدعم هذه الدينامية من أجل الاستفادة القصوى منها.
وسيتم إعادة تشغيل خط الدار البيضاء-ساو باولو بعد انقطاع قسري في عام 2020 بسبب وباء كوفيد، لكن القليل من الناس يتذكرون أن الخطوط الملكية المغربية قامت بالفعل بتشغيل خط مباشر بين الدار البيضاء وريو دي جانيرو في عام 1977، مما يعكس التجربة المتميزة للشركة الوطنية في السوق البرازيلية.
وقال مصدر دبلوماسي لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن استئناف خط الدار البيضاء-ساو باولو يحمل “أخبارا ممتازة” لعدد كبير من المسافرين وفي مقدمتهم البرازيليون والجالية المغربية والأفريقية في البرازيل والأوروبيون الذين يرغبون في الجمع بين زيارة إلى البرازيل مع توقف في المغرب أو أي دولة إفريقية أخرى.
وذكر المصدر ذاته أنه قبل الجائحة، حقق خط الدار البيضاء- ساو باولو نجاحا تجاريا كبيرا وكانت التدفقات السياحية بين البلدين في منحنى تصاعدي، مضيفا أن استئناف هذه الرحلة بمعدل ثلاث رحلات أسبوعيا يمكن أن يمكّن من المساهمة في مضاعفة توافد السياح البرازيليين إلى المغرب من 50 ألف سائح حاليا إلى 100 ألف زائر.
ويأتي استئناف العمل بهذا الخط بعد أشهر قليلة (مارس 2024) من قرار المكتب الوطني المغربي للسياحة بفتح مكتب له في ساو باولو.
وتكمن أهمية هذين الإعلانين المتزامنين تقريبًا في الحجم الهائل لسوق السياحة البرازيلية حيث تروم المؤسستان المغربيتان الحصول على حصتهما بهذه السوق اللاتينية.
ولاتخفى الأهمية التي تتمتع بها السوق المشهورة جدًا في جميع أنحاء العالم لاسيما مع وجود أكثر من 10 ملايين برازيلي يسافرون إلى الخارج سنويًا.
وهذا الطموح عبر الأجواء يقابله أيضا طموح في البحار، حيث جعل المغرب من ميناء طنجة المتوسط مركزا للشحن والتجهيز اللوجستي للأعمال الزراعية البرازيلية المخصصة للأسواق التي ترتبط بها المملكة باتفاقيات التجارة الحرة، خاصة الاتحاد الأوروبي والرابطة الأوروبية للتجارة الحرة والمملكة المتحدة وتركيا.
وتزامن إعلان الخطوط الملكية المغربية مع زيارة وزير الشؤون الخارجية البرازيلي، ماورو فييرا، إلى الرباط، حيث رحبت بلاده بجهود المغرب الجادة وذات المصداقية للمضي قدما نحو تسوية الخلاف بشأن الصحراء المغربية، في إطار مبادرة الحكم الذاتي التي قدمتها المملكة سنة 2007″.
وفي منتصف شهر ماي الماضي، أعرب المغرب والبرازيل عن “تطابق تام في وجهات النظر” حول عدد من القضايا الإقليمية والدولية، بمناسبة انعقاد الدورة الثالثة للمشاورات السياسية بين البلدين ببرازيليا.
وبعيدًا عن المجال السياسي، يتميز التعاون التقني بين المغرب والبرازيل بطابع الكثافة والتميز ويشمل مجالات متنوعة مثل البحث الزراعي والطاقة الشمسية والحكومة الإلكترونية.
و قد أطلق المعهد الوطني للبحث الزراعي ونظيره البرازيلي (إمبرابا) برنامجًا طموحًا لتطوير البحوث يركز بشكل أساسي على تدبير ونجاعة الأسمدة؛ وتحديد المناطق المعرضة للمخاطر المناخية وتبادل المواد الوراثية (القمح والشعير).
وفي ما يتعلق بالحكومة الإلكترونية، يسير برنامج التعاون بين وزارة الاقتصاد البرازيلية و وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة المغربية على الطريق الصحيح.
وفي مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، تعتزم الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن) إطلاق شراكة مع الجمعية البرازيلية للطاقة الشمسية الكهروضوئية في مجال الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
أما في المجال العسكري، فقد قرر المجلس الوزاري الأخير الذي ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس “إحداث منصب ملحق عسكري لدى سفارة المملكة ببرازيليا لتعزيز العلاقات مع دولة البرازيل”.
ويعكس هذا الزخم في قطاعات التعاون الثنائي، إلى جانب حجم التجارة (3 مليارات دولار)، صورة لعلاقات سياسية واقتصادية مكثفة مبنية على الاستدامة وعلى الثقة والاحترام المتبادل.