قال الأكاديمي والمفكر محمد نور الدين أفاية إنه لا يشعر بالحرج من “تهمة الاستلاب”، وهو يرى تخلي مفكرين أوروبيين عن فكر الأنوار في تعاملهم مع قضايا إنسانية مثل القضية الفلسطينية لأنه “حينما نقرأ الفكر العالمي وندرس الفلسفة الأوروبية أو الغربية بالمعنى العام، لا ندرسها باعتبارها دينا نؤمن به، بل لتوسيع دائرة معارفنا لنفهم ذواتنا وحقائقنا التاريخية والسياسية والفكرية”. وتساءل: “حين نستلهم مفهوما ذا بعد كوني مثل الحرية أو الكرامة، فهل لأن هابرماس تنازل عنه سأقوم بالمثل؟ ليس هذا استلابا، بل استلهامٌ لنصوص كما أستلهم نصوص مفكرين عرب كبار معاصرين”.
جاء هذا ضمن مشاركة أستاذ الفلسفة المعاصرة في برنامج “في الاستشراق”، الذي يقدمه الإعلامي ياسين عدنان على منصة “مجتمع”، وذكر فيه أن “العالم العربي أنتج مفكرين كبارا حقيقيين، مطالبين بالتحرك على أكثر من جبهة؛ إثبات ذواتهم كمثقفين داخل وسط يعاند الإبداع والاختلاف، وعليهم معرفة تاريخ ثقافتهم الخاصة في انتمائهم إلى المغرب أو الجزائر أو مصر أو سوريا أو العراق أو أي بلد آخر… والاطلاع على التراث العربي الإسلامي الغزير، وأن يكون لهم وعي به، والتزود بالمعارف العصرية الجديدة، إضافة إلى اضطرارهم أحيانا ليكونوا مترجمين”.
وفي حديث أفاية عن مراحل الحداثة منذ عصر النهضة، وعصر الأنوار، والقرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية، رجّح إقبال العالم على “تحول جديد للتطور التاريخي للغرب، ولو أن الغرب الأطلسي لا يزال مهيمنا بدليل ما نعيشه من تورط العقل الإجرامي الأمريكي في تحالفه مع الحركة الصهيونية ضد فلسطين والفلسطينيين والعرب والمسلمين، مع مؤشرات صعود دول كبرى جديدة، وتراجع الغرب الأطلسي ولو أنه لا يزال يفرض جبروته وقوانينه”.
وتابع قائلا: “الحداثة حداثات، و”الغربُ” في كل مرة يعيش تجربة الخصومة والعداء مع الآخر، ينسى قيمه ويتغاضى عنها طالما أن الأمر يتعلق بمصلحته وموقعه كقوة داخل التوازن الدولي منذ القرن التاسع عشر إلى اليوم. ومع “طوفان الأقصى” صارت أوروبا وأمريكا عمياء ونسيت القيم التي عملت على تأسيسها للتحالف الأعمى مع مشروع استيطاني احتلالي عنصري له استراتيجية وحيدة هي محو الوجود الفلسطيني وربما محو مناطق أخرى في الجغرافية العربية، في نسيان مطلق لحقوق الإنسان وكرامة الإنسان والمساواة والعدالة، التي تركوها جانبا لفرض إرادة قوة إجرامية عنيفة”.
وحول موقف يورغن هابرماس من القضية الفلسطينية، قال أفاية الذي قدّم أفكار هذا الفيلسوف إلى القارئ باللغة العربية: “ينتمي هابرماس إلى الثقافة الجرمانية، وينظر إلى تاريخ الأفكار الفلسفية والسياسية من زاوية نوع من المركزية الأوروبية التي لم يخرج عنها. هو لا يعرف سوى الثقافة الجرمانية، وشيئا من الثقافة الفلسفية الفرنسية وبعض النظريات والمذاهب الأنغلوساكسونية، خاصة في أمريكا، وخارج ذلك لا يعرف شيئا. سبق له أن زار الجامعة الأمريكية بالقاهرة وزار طهران سنة 2002، لكنه لا يعرف العرب والإسلام ولم يكتب شيئا عن هذا الموضوع”.
وواصل: “هو سجين وجدان ألماني نتج عن الحرب العالمية الثانية، يقضي بالقول بأن ما قامت به النازية مع اليهود بالدرجة الأولى غير مسبوق في التاريخ، ووصل درجات لا يمكن وصفها من الوحشية؛ فتولد لدى النخب الألمانية ما تسميه مبدأ التضامن مع اليهود، وإذا خرجتَ عنه تنعت بالمضاد للسامية. وشخص مثل هابرماس لا يمتلك الوجدان المناسب لمواجهة مثل هذه الاتهامات، بل غير قادر نظريا وفكريا على التبرم من هذا الوجدان لإنتاج فهم واقعي لنوع الصراع الموجود داخل الأرض الفلسطينية، ويعيد تكرار الموقف الرسمي الألماني.”
وذكّر المفكر المغربي برسالة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل سنة 2008، التي “ذهبت إلى فلسطين المحتلة لتقول إن إسرائيل تحتاج حماية نوعية خصوصية كيفما كانت سياستها، وهو ما كرره المستشار الحالي شولتز بالقول إنه لا يمكن أن نقبل موت يهودي”. وأردف معلقا: “لنتخيل أنه ليس له الاستعداد النفسي لهذا، لكن له استعداد لقيام إسرائيل بما لا يتخيل من جرم وإجرام ومحو وخراب ودمار، وهو ما ينطبق على فيلسوف كبير (هابرماس) نسي كل المبادئ التي عمل على بلورتها مثل الصياغة الإجْماعية للحقيقة، ومفهوم المجال العمومي، والديمقراطية التداولية، ومفهوم العدالة، وأمام اليهود وإسرائيل ينسى كل هذا وينحاز بشكل جنوني أعمى إلى إسرائيل مهما كان من يسيرها”.
واستدرك أفاية قائلا: “هذا ليس جديدا في الثقافة الأوروبية (…) وعبد الكبير الخطيبي كتب أحد أعمق ما كتب في موضوعِ الوعي الشقي الأوروبي في علاقته بالصهيونية (…) والصهيونية كانت تعتبر في إطار الأمم المتحدة (…) حركة عنصرية إلى أن سحب ذلك الرئيس الأمريكي كلينتون بضغط من (اللوبي الصهيوني) الأيباك”.