يعتبر الفقر آفة حقيقية تفتك بالإنسان الذي كرمه الله تعالى على كافة مخلوقاته الأخرى، حيث وهبه العقل، والروح، والموارد
الطبيعية، غير أن الطبائع الأنانية لبعض البشر الذين امتلكوا القوة، والمال، والعلم، والنفوذ جعلتهم يستأثرون بهذا التكريم لأنفسهم
دوناً عن الآخرين، فطغوا على إخوانهم من بني آدم، مما أدى إلى انتشار الحروب، والفقر، والمجاعات، والفساد حول العالم، فلم
تعد هناك بقعة من العالم خالية من هذه الآفات المهلكة. يتسبب الفقر بإحداث العديد من المشكلات للإنسان، ولعلَّ أبرز هذه
المشاكل عدم قدرته على تلبية احتياجاته ومتطلباته الأساسية، من غذاء، وملبس، ومسكن، وما إلى ذلك، فيصير مضطراً إلى
انتهاج أساليب لا تليق بإنسانية الإنسان، مما يؤدي إلى تسرع الآخرين ممن ينظرون إليه إلى الحكم عليه بالإجرام، والانحطاط،
وهذه النظرة تتسم بالقصور في أغلب الأحيان، فمن يطلقون الأحكام جزافاً لم يجربوا الظروف ذاتها التي مر الفقير بها، ولم
يتخيلوا أن رغيف الخبز قد يتسبب في قضِّ مضجع الملايين حول العالم. أسباب الفقر حول العالم غياب القيم الروحية عن العالم
واستبدالها بالقيم المادية، مما أدى إلى غياب التراحم والتكافل بين الناس، فالقيم الروحية تتعارض على الدوام مع المصالح
البشرية النابعة من الأنانية المحضة، والتي حتماً ستفضي إن استوغلت في قلوب البشر وعقولهم إلى كوارث لا تحمد عقباها،
ومن هنا فإن هذا السبب قد يكون مصدر الأسباب الأخرى إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. انتشار النمط الاستهلاكي بين
الناس، الأمر الذي دفع بهم إلى محاولة شراء كل شيء مفيداً كان أم غير مفيد؛ لغرض الشراء لا لأي غرض آخر، مما أدى إلى
ظهور الطبقية في المجتمع، وحصر الثروة بيد فئة محدودة من الناس، ومما أدى إلى إفقار المستهلكين الذين أنفقوا أموالهم في
عمليات الشراء التي لا طائل منها، وجعلهم فوقهم مضطرين إلى الاقتراض من البنوك، فتراكمت الديون عليهم، وازدادوا فقراً.
ولعلَّ ازدهار البنوك والتي تعتبر أحد أهم أركان النظام الرأسمالي أكبر دليل على صعوبة الأوضاع المادية التي يعاني الناس
منها. استنزاف الدول العظمى والاستعمارية لموارد الدول الضعيفة التي سيطرت عليها أثناء انتشار الحملات الاستعمارية، مما
جعل هذه الدول تفقد مواردها لصالح الدول العظمى، فتحولت الشعوب فيها إلى شعوب فقيرة، وانتشرت المجاعات، وتفشى
البؤس. ولعلَّ بعض مناطق القارة الإفريقية تعتبر من أوضح الأمثلة على ذلك. انتشار الحروب بين الدول، مما أدى إلى ارتفاع
في معدلات اللجوء، ولا يمكن أن يكون اللاجئ غنياً إلا في حالات نادرة ومعدودة، فاللاجئ قد ترك وراءه في وطنه كل شيء،
مما جعله فقيراً يمد يده لنيل المساعدات ممن يتعطَّفون عليه.