استنفر جرس الإنذار الذي دقه الملك محمد السادس ضمن خطاب العرش الأخير، الحكومة لتسريع وتيرة انجاز المشاريع المائية لمواجهة موجة الجفاف التي باتت تطرح تحديا حقيقيا على المملكة، حيث وجه رئيس الحكومة عزيز أخنوش القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المعنية إلى اليقظة في التعاطي مع تدبير ملف الماء.
أكد الملك محمد السادس أن مجال تدبير الموارد المائية، يتطلب المزيد من الجدية واليقظة، مشيرا إلى حرصه على بلورة البرنامج الوطني للماء لفترة 2020-2027، مع الدعوة للتتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذه.وقال الملك في خطاب الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش: ” لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللا مسؤول للماء”.
وإلى جانب الإكراهات المرتبطة بالسياق الدولي، تشكل نذرة المياه، التي تفاقمت نتيجة توالي سنوات الجفاف خلال الفترة الأخيرة، تحديا كبيرا بالنسبة للمملكة، وأكد رئيس الحكومة أخنوش حرص حكومته على مواجهة التحديات من خلال التسريع من وتيرة تنزيل البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027، مع الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع الماء ب5 ملايير درهم، برسم قانون المالية لسنة 2023، وفتح اعتمادات إضافية ب1,5 مليار درهم خلال نفس السنة، وذلك تنفيذا للتوجيهات الملكية.
مضاعفة اليقظة:
وسجل أخنوش ضمن في المذكرة التوجيهية المتعلقة بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2024، أنه نظرا للطابع الاستراتيجي الذي تكتسيه قضية الماء، وللرعاية السامية التي يوليها الملك محمد السادس لهذه القضية، والتي كانت موضوع توجيهات سامية بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية، ستعمل الحكومة على تسريع تنزيل مكونات البرنامج الوطني للتزود بالماء الصالح للشرب ومياه السقي، الذي يبلغ الغلاف المالي المخصص له 143 مليار درهم خلال الفترة 2020-2027.
وأكد أخنوش في المذكرة التي وجهها إلى الوزراء والوزراء المنتدبون والمندوبان الساميان والمندوب العام، أن حكومته ستحرص على مضاعفة الجهود لرفع التحديات الحالية والمستقبلية لهذه الإشكالية، وذلك وفق مقاربة متعددة الأبعاد تعتمد أساسا على ترشيد استعمال المياه، والتدبير الأمثل للطلب بالموازاة مع ما يتم إنجازه في مجال تعبئة الموارد المائية.
ودعا رئيس الحكومة القطاعات والهيئات المعنية إلى مضاعفة اليقظة، والتحلي بالفعالية في تنفيذ المشاريع المبرمجة وفقا للجدول الزمني المحدد لها، وعلى الخصوص تسريع مشروع الربط بين الأحواض المائية لسبو وأبي رقراق، مواصلة إنجاز السدود للرفع من قدرة التخزين من المياه العذبة، مطالبا بتسريع مشاريع تعبئة المياه غير التقليدية، من خلال برمجة محطات لتحلية مياه البحر، والرفع من حجم إعادة استعمال المياه العادمة المعالجة، وتعزيز التزود بالماء الصالح للشرب في العالم القروي.
وشدد أخنوش أن الحكومة عازمة على تكثيف جهودها الرامية إلى تعزيز مناعة المملكة في مواجهة التغيرات المناخية والحد من تأثيراتها، عبر مقاربة مندمجة ومتكاملة، تقوم على تعزيز الإطار المؤسساتي الذي سيمكن من تكثيف التنسيق بين مختلف القطاعات الحكومية لتكريس البعد المناخي في مختلف السياسات العمومية، متعهدا بتعزيز التدابير التحفيزية ذات الطابع البيئي، واتخاذ التدابير الرامية لتشجيع الأدوات المالية الخضراء بالتشاور مع بنك المغرب والمؤسسات المالية المختصة.
تسريع تشييد السدود:
أكد وزير التجهيز والماء نرار بركة أنه بحكم التفاوتات الهيدرولوجية المتسمة بتراكمات الظواهر القصوى من فيضانات وجفاف، تتم مواصلة إنجاز السدود لتخزين المياه، وضمان استمرارية تعبئة المياه، مشيرا إلى أن 18 سدا كبيرا توجد قيد الإنجاز، وستمكن من الرفع من الطاقة الاستيعابية ب 5,7 مليار م3 وبكلفة تناهز 29 مليار درهم.
ومن أجل تسريع وتيرة إنجاز السدود، أكد الوزير أن المصالح المختصة للوزارة عقدت مجموعة من الاجتماعات مع الشركات المكلفة بإنجاز السدود لمراجعة برنامج الأشغال مما أفضى إلى تقليص مدة الإنجاز وربح 6 أشهر إلى 14 شهرا لإنهاء الأشغال وبالتالي الشروع في ملء حقينات السدود.
وكشف وزير التجهيز والماء عن برمجة إنجاز 8 سدود كبيرة في الفترة الممتدة بين 2023 و2027 ومن بينهم سد بوخميس بحوض أبي رقراق وسد بوعيدل بحوض تانسيفت، مشيرا إلى أن الوزارة تطلق سنتي 2023 و2024 طلبات العروض لإنجاز أشغال بناء 5 سدود متوسطة بسعة تخزينية إجمالية تبلغ 63 مليون م3.
ولفت بركة إلى تم إبرام اتفاقية إطار وشراكة بين وزارة التجهيز والماء ووزارة الداخلية وكذا وزارة الاقتصاد والمالية من أجل تمويل المرحلة الأولية من البرنامج 20-27، التي تضم في المرحلة الأولى 129 سدا صغيرا تم تحديدها حسب الأولويات بكلفة 4,27 مليار درهم .
وأعلن الوزير أن مصالح وزارة التجهيز باشرت المواكبة التقنية للوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع بعدد من جهات المملكة، مؤكدا في السياق ذاته أنه تم توقيع اتفاقية شراكة مع وزارة الداخلية لإنجاز 8 سدود صغرى عن طريق التنفيذ المباشر.
وفي سياق متصل، أوضح بركة أنه تفاديا لضياع الماء للبحر تم بإنجاز الشطر الاستعجالي من مشروع الربط البيني بين أحواض سبو وأبي رقراق انطلاقا من سد المنع إلى سد سيدي محمد بن عبد الله.
ويدخل هذا المشروع الذي من المرتقب أن يتم الشروع في استغلاله أواخر هذا الصيف، في إطار المشروع الإجمالي لتحويل فائض مياه حوض سبو لحوضي أبي رقراق وأم الربيع الذي من المتوقع إنجازه على المدى القريب ب 350 كلم لنقل ما بين 500 و800 مليون م3/السنة إلى سد المسيرة.
تحلية مياه البحر:
وضمن مشاريع تحلية مياه البحر، كشف الوزير أنه تمت مراجعة برنامج تحلية مياه البحر المندرج في البرنامج الوطني للماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027 الذي تم تحيينه. ويهدف هذا برنامج الذي يعد “نقطة تحول حاسمة في السياسة المائية”، وفق بركة إلى الرفع من القدرة الإنتاجية التي تقدر حاليا ب 179,3 مليون م3/السنة إلى حوالي 1 مليار م3/السنة سنة 2027 مع استعمال الطاقات المتجددة.
وأعلن المسؤول الحكومي أنه سيتم تزويد جل المدن الساحلية بالماء الصالح للشرب انطلاقا من مياه البحر المحلاة كما سيتم إحداث دوائر سقوية جديدة على غرار مشروعي أكادير والداخلة لتعزيز المنتوج الوطني من المنتوجات الفلاحية والتخفيف من الراهنية بالتساقطات المطرية.
وستمكن هذه المشاريع كذلك، وفق ما أوضح بركة من تخصيص المياه الاعتيادية للمناطق الداخلية والجبلية لسد الحاجيات المائية لضمان مياه الشرب ولسقي المساحات الفلاحية المهيأة وبذلك سيتم تحقيق العدالة المجالية المائية وتحقيق الأمن المائي ببلادنا والمساهمة الفعالة في تحقيق الأمن الغذائي والحد من الاستغلال المفرط للمياه الجوفية.