أحمد الجبلي
بدون إمكانيات، وبدعم مادي محتشم من وراء حجاب، وبدون تشجيع يذكر، أو دعم معتبر من عدة هيئات مسؤولة، وبدون التزام أطراف عديدة وعدت وأخلفت، وقف جنود أقوياء من رابطة المواقع الالكترونية ببركان، سلاحهم الوحيد حب الوطن والغيرة على الإعلام الجهوي بطموح تجاوز الحدود..طموح نحو تنزيل ملتقى جهة الشرق للصحافة الالكترونية، مهما كانت الظروف وفي ظل كل الصعوبات، برنامج يروم الرفع من مستوى الإنتاج الإعلامي الشرقي نحو التميز والإبداع وإعطاء الصورة المشرفة لجهة الشرق ولتكون أنموذجا يحتدى، ومثلا أعلى يقتدى به من طرف كل الجهات والأقاليم على امتداد التراب الوطني الشاسع. إنه أول ملتقى تقوم بتنظيمه رابطة الإعلام الرقمي ببركان في التاسع والعاشر من أبريل 2016، وكأنها إصابة من زاوية مستحيلة أملتها ظروف وتحديات وإكراهات لا تشجع على فعل أي شيء، ووقع الحدث، الحدث الملتقى، ملتقى لا كالملتقيات، يقول صحافي ممن حضروه، ويقول آخر ملتقى ندم كل صحفي لم يحض بشرف حضوره والاستمتاع به، ملتقى جعلني أستيقظ من سبات عميق دام لسنوات يقول آخر، ملتقى عرفتي على نفسي من أكون كصحافي وما دوري وما لي وما علي وكيف أحمي نفسي، وأشرف مهنتي في زمن، الإعلام فيه هو كل شيء، في زمن، من يملك فيه الإعلام يملك الإعدام، إعدام الحقيقة التي نريدها أن تبقى مضيئة وسط ركام التعتيم وضبابية الكذب والتزييف. لقد عرفت اليوم أنني كصحافي بيدي أن أغير التاريخ وأسهم في تربية الأجيال ونشر ثقافة بانية بسلاح القلم الذي لا ينحني ولا يباع يقول ثالث ورابع وخامس.
إننا هنا بمدينة بركان حيث تشرفت قاعة الرابحي باحتضان أول ملتقى جهوي بجهة الشرق للصحافة الرقمية، بتنظيم فاق التوقعات،وباحتفاء وكرم زائد كما هو معروف عن سكان هذه المدينة، وكلمات مدوية أنارت السبيل حتى يأخذ كل صحفي مشعل الكلمة ليضيء الطريق حتى يبدو جليا واضحا بعيدا كل البعد عن التعتيم في الخبر والتحريف في التقرير، والمداهنة في المقال…وبعيدا عن التقاط صور الخزي والعار الممزوجة بعبثية سامويل بيكت، وألبير كامو، وفوضى كايوس، وغوغائية ديوجين. من الآن فصاعدا لن يحمل الصحفي بالجهة الشرقية مصباح ديوجين في وضح النهار، بل يحمله في الظلام الدامس ليكشف خبايا الفساد والتعتيم وتلوين الحقائق بألوان الخزي والعار.
ومن بركان إلى سعيدية حيث يحط الملتقى رحاله بالمدرسة الفندقية بالجوهرة الزرقاء على بعد عشرين كلم، لتبدأ أشغال الورشات التي قام بتأطيرها خبراء متخصصون رسموا خريطة طريق واضحة حتى يكون كل صحفي على بينة من أمره ومهنته ورسالته التي لا تقبل المساومة وغير خاضعة لمزاد البيع والشراء.
وخلاصة القول من قال: إننا لا نستطيع كجهة شرقية ( محكورة) أن ننظم دورة احترافية عالية بكل ما تحمل الكلمة من معنى؟ من قال: إننا لا نملك أطرا وصحفيين وطاقات جبارة في مستوى أن يصنعوا الحدث بكل امتياز؟ ومن قال: إننا – حتى بدون ركائز داعمة قوية- يمكن أن نبني من خشاش الأرض وقصب السواقي قصرا مهيبا وجميلا؟ فقط عندما يكون تمة إصرار على الفعل وبإرادة لا تقهر، وعزيمة لا تعرف التراخي أو الذبول. لقد كان ملتقى جهة الشرق للصحافة الرقمية، يقول الصحفي رشيد أحسن ملتقى حضرته في حياتي، ملتقى أحدث إنقلابا في مفاهيمي، لقد اشتغلت في الصحافة لأزيد من عشرين سنة وكنت أظن نفسي أنني صحفي مقتدر ولي ما يكفي من المعلومات كي أزاول الكتابة والتقرير الصحفي باحترافية وتميز، ولكن تبين لي بعد حضور هذا الملتقى الرائع أنني كنت أجهل الكثير عن سر هذه المهنة التي اعتبرها الأستاذ البقالي مهنة المتاعب بامتياز، فأدركت أن ثمة أمورا كثيرة كان حريا بي أن أعرفها منذ زمن، ولكن شاءت الأقدار أن أعرفها هنا في مدينة الليمون، خلال هذه المبادرة التي سجل أصحابها سبقا صحفيا جهويا باحتضانهم لهذا الملتقى المتميز، لقد أصبحت بفضل هذا الملتقى على علم كاف بالعديد من المعطيات المتعلقة بمهنة الصحافة سواء تعلق الأمر بالمحور القانوني والدستوري أو الأمور الاحترازية التي يجب علي كصحفي أن أنتبه لها أثناء كتاباتي، أو تعلق الأمر بالجانب الأخلاقي والمهني والاحترافي، أو تعلق الأمر بالمواكبة وتحيين المعلومة وتتبع جميع المستجدات المتعلقة بالصحافة وما تنشره وزارة الاتصال حتى أكون على بينة من كل ما له علاقة بمهنتي كصحفي.
إنني لن أنسى نشوة الزملاء وهم يتتبعون بكل عطش كل كلمة قالها الكاتب العام لوزارة الاتصال الأستاذ محمد غزالي و يتمايلون مع كل صرخة صرخها الأستاذ عبد الله البقالي غيرة على مهنة المتاعب وتشجيعا لهذه الطاقات الشابة.. بكل صدق لم أرد لهذا الملتقى أن ينتهي لشعوري بأن كل كلمة قيلت فيه وكل مداخلة وكل سؤال وكل رد إلا وكان ينسج لنا طريقا ويعبد لنا مسارا أقل ما يقال عنه أنه مسار سيكون حابلا بالمسؤولية والنضال بالكلمة والصورة والمقال.